Read the magazine Online  تصفح المجلة مجان

April 2024
S M T W T F S
31 1 2 3 4 5 6
7 8 9 10 11 12 13
14 15 16 17 18 19 20
21 22 23 24 25 26 27
28 29 30 1 2 3 4
المعدة المركّبة للحيوانات المجترّة   cow

 إعداد: م. احمد عبدالله خريسات

المركز الوطني للبحوث الزراعية

تختلف طبيعة وخصائص الهضم عند الحيوانات المجترّة عنها عند ذوات المعدة البسيطة بسبب اختلاف تركيب معدة المجترّات وبخاصّة وجود الكرش في بداية قناة هضمها. فالكرش بيئة مناسبة لتكاثر ونشاط أجناس وأنواع عديدة من الأحياء الدّقيقة اللّاهوائيّة التي تستوطنه وتتعامل مع ما يصل إليه من مواد غذائيّة بالتّحليل والاستقلاب مضيفة إلى ما تتعرّض إليه هذه المواد من هضم ميكانيكي وكيميائي ما يعرف بالهضم الميكروبي (Microbial (Digestion  الذي يميّز المجترّات عن غيرها بقدرات وخصائص هضميّة تجعلها قادرة على الإستفادة من بعض المواد التي لا تستطيع ذوات المعدة البسيطة الإستفادة منها، وتجعل لتغذيتها خصوصيّة وأسس مختلفة. تتكوّن المعدة المركّبة (Compound Stomach) من أربعة أجزاء رئيسيّة (الكرش، الشبكية، الورقية، المعدة الحقيقية) تشكّل بمجملها الجزء الأهمّ من قناة الهضم عند المجترّات. وفيما يلي وصفاً لهذه الأجزاء:

. الكرش (Rumen):

يبدأ الكرش من الفؤادية، وهي فتحة نهاية المريء من الكرش وتكون شبيهة بالشّق الطّولي عند الماشية، وتشكّل بداية أخدود الشّبكية أو أخدود المريء الذي يمتدّ منها باتّجاه فتحة الشّبكية والورقيّة. يقسّم الكرش من الدّاخل إلى أكياس بواسطة طيّة الشّبكية والكرش وأعمدة رأسيّة وطوليّة وذيليّة مكوّنة من أحزمة عضليّة سميكة تشكّل فيما بينها حلقة كبيرة مكتملة، وتكون هذه الأعمدة كبيرة جدّاً بالمقارنة مع طيّة الشّبكية عند الماشية. بينما يكون النّتوء الذي تشكّله طيّة الشّبكية أوضح من النتوءات التي تشكّلها الأعمدة عند الأغنام. ولهذه الأعمدة والنتوءات دور مهمّ في تنظيم حركة الكتلة الغذائيّة داخل الكرش وفي تقلّص الأكياس المختلفة التي تشكّلها هذه الأعمدة. تغطّي سطح الكرش الدّاخلية أعداد كبيرة من الحليمات (Papillae) تبدأ بالنّشوء بعد أن يبدأ الحيوان بالتّغذية على الأعلاف النباتيّة وخاصة المالئة الغنيّة بالألياف. وتعيش في الكرش أنواع وأعداد كبيرة من البكتيريا والأوالي الحيوانيّة (البروتوزوا) تعمل جمعيها على تخمّر المواد الغذائية. تعمل عضلات الكرش بشكل مستمرّ محدثة تقلّصات دوريّة مختلفة في شدّتها ودورها في عمل الكرش. فمنها تقلّصات خلطيّة (Mixing Contraction) تجعل حركة محتويات الكرش مستمرّة ودائريّة باتّجاه عقارب السّاعة للمواد الخشنة، وعكس عقارب السّاعة لسائل الكرش. وتساعد هذه الحركة على خلط محتويات الكرش مع اللّعاب الذي يفرز منه كمّية كبيرة تصل لأكثر من 100 لتر عند الأبقار. كما تساعد على استمرار انتقال سائل الكرش ومحتواه من الأجزاء النّاعمة إلى الورقيّة. ويحدث في الكرش نوع آخر من التّقلّصات العضليّة التي تمرّ باتّجاه معاكس للتقلصات الخلطيّة وتسمّى تقلّصات تجشوئية وهي التي تنظّم عمليّة تجشوء وتصريف الغازات من الكرش عن طريق الفم. ويوجد نوع ثالث من التّقلّصات يسمّى التّقلص الإجتراري (Rumination Contraction) وهي التي تساعد مع العوامل الأخرى في ميكانيكيّة عمليّة الاجترار.

2. الشبكية (القلنسوة) -(Reticulum) :

وهي جزء غير متّصل عن الكرش وترتبط به بواسطة طيّة من الأنسجة تدعى بطية الشبكية والكرش. ويسمح هذا الاتّصال بينهما بانتقال الكتلة الغذائيّة وسوائل الكرش بين الشبكية والكرش. ولا يختلف دور الشبكية في الهضم عن الدّور الذي يؤدّيه الكرش لأنّ الوسط داخلهما متشابهاً وكلاهما يؤدّي نفس الوظيفة من النّاحية النّوعيّة، ولكن الحجم الصّغير للشّبكية يجعل أهمّيتها في الهضم وحجم التّفاعلات التي تحدث فيها أقل. يبطن الشّبكية نسيج يأخذ شكل خلايا قرص النحل، وتكون هذه الخلايا على شكل طيّات ذات أربعة أو خمسة أو ستّة جوانب. تعمل الشبكيّة على تنظيم وصل الغذاء إلى الكرش وخروجه إلى الورقيّة عبر الفتحة المشتركة بين الشبكية والورقيّة. ولها أهمّية كبيرة في تنظيم حركة الكتلة الغائيّة وعمليّات الاجترار والتّجشؤ لموقعها المجاور لفتحة المريء والورقية في نفس الوقت.

3. الورقيّة (ذات التّلافيف) -(Omasum) :

تتّصل الورقيّة من الأمام بالشّبكية عند فتحة الشّبكية والورقية. ويغطّي سطحها الدّاخلي أعداد متغيّرة وغير متماثلة الحجم من طيّات أو وريقات طويلة على شكل صفائح (Laminae) لكلٍّ منها حافّتين إحداهما محدبة متّصلة بغلاف الوريقة من الدّاخل وأخرى مقعرة حرّة. تتجاوز هذه الصّفائح مع فراغات بينها على شكل أوراق الكتاب. وتختلف أعداد الوريقات وأحجامها بين الأفراد والأنواع، حيث وجدBecker,et al  (1963) أنّ عددها في ورقيّة ماشية الجيرسي تراوح بين 89 و192 وريقة. مع اختلاف كبير في حجم وأعداد الوريقات الصّغيرة والمصنّفة حسب حجمها إلى أربع درجات. تكون الفراغات الموجودة بين الوريقات مملوءة بالكتلة الغذائيّة النّاعمة متراصة على جوانب الوريقات. ويغطّي سطح الوريقات عدد قليل من الحليمات المتقرنة. يوجد في الورقيّة أخدود يمتدّ من فتحة الشّبكية والورقية إلى فتحة الورقية والمعدة الحقيقية يسمح بمرور السّوائل للأجزاء النّاعمة من الكتلة الغذائيّة مباشرة إلى المعدة الحقيقة.

4. المعدة الحقيقية (الأنفحة) (Abomasum):

وهي الجزء الأخير من المعدة المركّبة، شكلها أنبوبي عريض عند اتّصاله بالورقيّة وضيق في نهايتها عند اتّصاله بالأنثى عشر. يغطّي بطانة المعدة قنيات طولانية كبيرة الحجم في الجانب الأمامي لتشكّل ما يشبه الصّمام الذي يمنع عودة الغذاء إلى الورقيّة. وعلى الرّغم من أنّ وظيفة المعدة الحقيقة عند المجترّات تشبه إلى حدّ كبير وظيفة المعد عند الحيوانات غير المجترّة إلّا أنّ هناك خصائص تميّز طبيعة الهضم في المعدة الحقيقية عن وحيدات المعدة أهمّها أنّ الحيوانات ذات المعدة البسيطة تتناول غذاءها على فترات زمنيّة (وجبات) فتكون فعاليّات الهضم وبخاصّة الإفرازات منتظمة بدورات منسجمة مع فترات ورود الغذاء إلى قناة الهضم، بعكس المجترّات التي يكون عندها مرور المواد الغذائيّة (مهضومة أو غير مهضومة) من الكرش والشبكيّة والورقيّة إلى المعدة الحقيقيّة عمليّة مستمرّة لا انقطاع فيها، ممّا يستوجب استمرار جريان العصارّات الهاضمة من الغدد الملحقة بالمعدة والجزء الأمامي من الأمعاء الدّقيقة. يحدث الهضم في المعدة عند المجترّات بسرعة أكبر من حدوثه عن وحيدات المعدة، وذلك لأنّ الكتلة الغذائيّة القادمة من الورقيّة تكون قد تعرّضت للهضم الميكروبي وتكون جزيئاتها أصغر وتتعرّض فوراً للفعاليات الأنزيمية ولتأثير العصّارات المحلّلة للمواد الغذائيّة.لا يختلف العصير المعدي الذي يفرز من جيوب المعدة الحقيقيّة عن ذلك الذي يفرز عند وحيدات المعدة من حيث الأس الهيدروجيني (PH) وبعض الخواص الفيزيائية مثل نقطة الإنجماد. ويكون الأس الهيدروجيني للكتلة الغذائيّة عند خروجها من المعدة الحقيقيّة حوالي 2.3 PH، بينما يكون عند دخوله إليها حوالي 6 PH. وعلى الرّغم من صعوبة تقدير حجم العصير الذي يفرز في المعدة وتأثّره بعوامل عديدة فإنّ البعض يقدّر إفرازات المعدة الحقيقيّة للأغنام بحوالي (5-6) لترات في اليوم وللأبقار بحوالي (30-35) لتر/يوم.

تمايز المعدة المركّبة بين الأنواع:

تتشابه إلى حدٍّ كبير المعدة المركّبة للماشية مع مثيلاتها عند الأغنام والماعز مع الفارق في الحجوم وفي بعض الصّفات التّشريحية مثل أطوال الأكياس وامتداداتها، وأحجام الحليمات وأعداد الوريقات المبطّنة الورقيّة، والنّسب الحجميّة لأجزاء المعدة المركّبة. وعلى الرّغم من هذه الاختلافات فإنّ الاتجاه العام لطبيعة الهضم عند هذه الأنواع يعتبر متقارباً جدّاً مع وجود خصوصيّات جزئيّة لا مجال هنا للتفصيل فيها.

وما يجدر التّنويه عنه هو الاختلاف بين الحيوانات المجترّة وبعض الحيوانات الأخرى كالجمال وحيدة السّنام وجمال العالم الجديد مثل اللّاما والاليكة والغوناق والفكونة والتي تسمّى أحياناً بالمجترّات الكاذبة. حيث تتشابه المجترّات الكاذبة مع الحيوانات المجترّة كالماشية والأغنام والماعز في بعض الخصائص مثل إرجاع الغذاء إلى الفم (الاجترار) ووجود نشاط ميكروبي فعّال في معدتها يجعلها كالمجترّات الحقيقيّة قادرة على الإستفادة من الأعلاف الخشنة. ولا شكّ بوجود اختلافات تشريحيّة بين هذه الحيوانات المجترّة، كما توجد اختلافات أقلّ أهمّية بين الجمال وحيدة السّنام وأنواع الحيوانات الأخرى التي تنتمي إلى فصيلة الجمال. ومن الخصائص الهامّة التي تميّز الجمال أنّ معدتها مقسّمة إلى ثلاثة أجزاء مميّزة، الجزء الأوّل يماثل الكرش عند المجترّات حيث يشكّل أكثر من 80% من حجم المعدة المركّبة. ويقسّم من النّاحية البطنيّة إلى كيس رأسي وكيس ذيلي بواسطة عمود مستعرض، وتوجد في الجهة البطنيّة من كلا الكيسين مناطق تحوي جريبات مرتفعة ومستطيلة ذات جدران رقيقة. وتكون بطانة المناطق الخالية من الجريبات عبارة عن خلايا ظهاريّة طباقيّة متحرشفة. أمّا الجزء الثاني من المعدة فيقارن عادةً بالشّبكية ويكون صغير الحجم مع وجود أخدود بطني مشابه لأخدود الشّبكية عند المجترّات. بينما يكون الجزء الثّالث مبطناً بغشاء مخاطي وتكون أنسجته في بعض الأجزاء مشابهة للأنسجة المعدية الحقيقية.

تطوّر ونمو أجزاء المعدة المركّبة:

1. في المرحلة الجنينية:

يمكن تمييز المعدة عند جنين الأبقار عند بلوغه عمر حوالي الشهر، كما يمكن تمييز أجزائها عند بلوغ الجنين عمر (55-60) يوماً. فيبدو الكرش في هذه المرحلة أكبر الأجزاء حجماً. ويمكن تمييز بطانة الشبكية التي تشبه خلايا قرص النّحل قبل بلوغ الجنين عمر 3 أشهر. ويكون حجم الورقيّة كبيراً وواضحاً عند هذا العمر، ولكن نموّها يصبح بطيء نسبيّاً بعد ذلك بعكس المعدة الحقيقية التي تنمو بسرعة في هذه المرحلة لتصبح أكبر أجزاء المعدة المركّبة حجماً قبل بلوغ الجنين شهره الخامس. ويبدأ عند الأغنام تمايز أقسام المعدة المركّبة عند بلوغ طول الجنين حوالي (9-10) ملم، ويبدأ تمييز الشبكية والكرش والمعدة الحقيقية عند (20-25) يوم. ويمكن عند عمر 70 يوماً تمييز بطانة الشبكية ووريقات الورقية. إلّا أنّ الحليمات التي تبطن النّسيج الظهاري لا تكون ظاهرة في هذا العمر. وكما الأبقار يكون الكرش أكبر الأجزاء في بداية المرحلة الجنينية، فيشكّل حوالي 45% من وزن المعدة المركّبة عند عمر حوالي شهرين، بينما لا تشكّل المعدة الحقيقية أكثر من 17% في هذا العمر. تنمو بعدها المعدة الحقيقية بسرعة أكبر من سرعة نمو بقيّة الأجزاء إلى أن تشكّل قبيل الولادة حوالي 55% من الوزن الكلي للمعدة المركّبة بينما لا تزيد نسبة الكرش عن (25-30)%.

2. بعد الولادة:

تقول القاعدة الفيزيولوجية العامّة بأنّ الأعضاء تتطوّر تبعاً لأهمّيتها الوظيفيّة ويصحّ هذا القول على تطوّر الكرش والمعدة، ففي المراحل الأولى من العمر (مرحلة الرّضاعة) تكون المعدة الحقيقيّة أكثر تطوّراً لدورها الهام في هضم الحليب. وما أن يبدأ الحيوان باستهلاك الأعلاف النّباتية الغنيّة بالألياف حتى يأتي دور الكرش في الهضم فيبدأ بالنّمو السّريع فالأسرع بالعلاقة مع تغيّر نمط التّغذية من الحليب إلى الأعلاف النّباتية، إلى أن يأخذ حجمه الطّبيعي والأكبر بفارق كبير بالنسبة إلى حجوم بقيّة أجزاء المعدة المركّبة. من المعروف أنّ الكرش والشبكية يكونان صغيرين عند الولادة مقارنةً بالمعدة الحقيقية ثمّ يتطورّان بسرعة كبيرة نسبيّاً بعد الولادة . فالمعدة الحقيقية هي العنصر الأهمّ من النّاحية الهضميّة عند الحيوانات حديثة الولادة، وطبيعة الهضم فيها لا تختلف عن الهضم عند ذوات المعدة البسيطة. لذلك فإنّ الحليب هو الغذاء الأمثل للحيوانات حديثة الولادة ويبقى كذلك حتى يبدأ الكرش دوره الفعّال في الهضم. يبدأ تطوّر نمو أجزاء المعدة المركّبة عند المجترّات في عمر مبكر ويكون التّطور سريعاً، وتتغيّر كثيراً نسبة أجزائها إلى بعضها مع تقدّم العمر (الجدول رقم 1 والشكل رقم 2)، فيشكّل حجم المعدة الحقيقية عند الولادة حوالي نصف حجم المعدة المركّبة، بينما لا يتجاوز حجم الكرش (35-40)% منها. وبعد حوالي شهرين من العمر يصبح حجم الكرش أكثر من ضعف حجم المعدة الحقيقية. وفي الشّهر الرّابع من العمر تأخذ أحجام الأجزاء الأربعة بالنّسبة لبعضها نسباً قريبة لما تكون علية عند الحيوان تامّ النّمو.

الجدول رقم (1): تطوّر أجزاء المعدة المركّبة مع العمر (% من الحجم الكلي للمعدة المركبة).

 

الحيوان

 

العضو

العمر بالأسبوع

عند الولادة

4

8

12

16

20-26

34-38

أبقار

كرش وشبكية

38

52

60

64

67

64

64

ورقية

13

12

13

14

18

22

25

معدة حقيقية

49

36

27

22

15

14

11

أغنام

كرش وشبكية

38

63

75

72

75

-

73

ورقية

7

5

5

7

6

-

7

معدة حقيقية

55

32

20

21

19

-

19

لا تأخذ الأجزاء الأربعة حجمها الطبيعي قبل بلوغ العجل عمر 18 شهراً . ويمكن أن تتّسع المعدة المركّبة للأبقار تامّة النمو لأكثر من 300 ليتر، يتوزّع محتوياتها بين (81-87)% في الكرش والشّبكية و(10-14)% في الورقيّة و(3-5)% في المعدة الحقيقية. كذلك الحال بالنسبة لتطوّر نمو المعدة المركّبة عند الأغنام. فعند الولادة تكون المعدة الحقيقية أكبر الأجزاء وتشكّل 66% من الوزن الكلّي للمعدة المركّبة، بينما لا يزيد حجم الكرش عن ثلث حجم المعدة الحقيقية، وحجم الشّبكية لا يتجاوز سدس حجمها. أمّا الورقيّة فتكون صغيرة جداً عند الولادة وتستمرّ كذلك حتى عمر 10 أيام حيث تبدأ بالنّمو. ومع تقدّم العمر تنمو الأجزاء بمعدّل واحد تقريباً ما عدا الكرش الذي ينمو بسرعة أكبر، حتى يبلغ وزنه حوالي 50% من وزن المعدة المركّبة في عمر 25 يوم بينما يبلغ وزن المعدة الحقيقيّة في هذا العمر حوالي 33% من المعدة المركّبة. وعند عمر 3 أشهر يكون وزن المعدة الحقيقة قد تضاعف حوالي 3 مرات والشبكية 20 مرة والورقيّة 10 مرات والكرش 34 مرة. ويمكن أن تّتسع المعدة المركّبة للأغنام تامّة النّمو لأكثر من 25 ليتر تتوّزع محتوياتها بين (88-93)% في الكرش والشّبكية و2% في الورقيّة و(5-10)% في المعدة الحقيقيّة. إنّ المعلومات المتوفّرة عن تطوّر المعدة المركّبة عند المجترّات الأخرى كالماعز والجمال واللّاما قليلة جداً، ويؤكّد المتوفّر منها أنّ أجزاء المعدة تبلغ حجمها النّسبي عند الماعز بعمر (7-9) أسابيع، وأنّ تطوّر المعدة عند الجاموس يشبه تطوّرها عند الأبقار بينما لا يتوفّر معلومات كافية عن تطوّرها عند الأنواع الأخرى. وتعتبر طريقة تغذية الحيوانات الرّضيعة ونوعية الغذاء من أهمّ العوامل المؤثّرة في نمو الأجزاء المختلفة للمعدة وبصورة خاصة الكرش. فإن طالت فترة الرّضاعة مع استخدام كمّيات كبيرة من الحليب يكون دور الكرش في الهضم محدوداً بسبب قلّة استهلاك الحيوان للمواد الجافّة التي تمرّ إلى الكرش، ويكون معدّل نموّه بطيئاً. ويمكن للعجول أن تبدأ باستهلاك الأعلاف النّباتية الجافّة الجيّدة والمستساغة بعد الأسبوع الأول من العمر وهذه الأعلاف تمرّ مباشرةً إلى الكرش ويبدأ تخمرّها ويزداد نشاط الكائنات الدّقيقة في الكرش وتبدأ عمليّات الهضم الميكروبيولوجي وتظهر نواتجه في الكرش وبخاصّة الحموض الدّهنية الطّيارة، ممّا يحفّز نمو الكرش فيزداد بسرعة حجمه ووزنه، ويزداد أيضاً سمك الغشاء المبطن له نتيجة نمو الحليمات لغشائه التي لا تظهر إلّا بعد بدء التّغذية على الأعلاف غير السّائلة. كما أنّ لنوعيّة الأعلاف النّباتية تأثير في سرعة نمو الكرش، فالأعلاف المالئة الغنيّة بالألياف تسرّع من نمو الكرش أكثر من الأعلاف المركّزة. لذلك ينصح البدء بتغذية الحيوانات الرّضيعة على أعلاف مالئة جيّدة كالدريس الجيّد في عمر مبكر لتسريع قدرة الكرش على الهضم وزيادة فعاليّته، ممّا يسمح بتوفير نسبة من الحليب الذي يستخدم في تغذيته خلال مرحلة الرّضاعة. وبالإضافة إلى دور الأعلاف الجافّة في تسريع نمو الكرش والشّبكية فهي تؤدّي إلى زيادة في وزن الأنسجة وسمك الجدار العضلي. وتكون الزّيادة كبيرة جداً في سمك الغشاء المبطّن للكرش نتيجة تطوّر حليمات جدار الكرش التي تزداد كثيراً عند التّغذية على الأعلاف المركّزة بالمقارنة مع التّغذية على الأعلاف الخشنة. وللحليمات دور هام في امتصاص نواتج التّخمّر في الكرش نتيجة علاقتها بمساحة السّطح الداخلي للكرش. ويعتقد أنّ إنتاج البيوترات والبروبيونات الزّائدة في الكرش نتيجة تخمّر الأعلاف المركّزة يحفّز نمو الحليمات أكثر من وجود الخلات التي تنتج بنسب أعلى من تخمّر الأعلاف الخشنة الغنيّة بالألياف. ويمكن أن يؤدّي التّطور الزائد للحليمات إلى إصابة الكرش بالتّقرّن، وفي هذه الحالة يزداد حجم الحليمات، وتتلبّد عليها محتويات الكرش وتتغلّف نهاياتها بطبقة متقرنة، فيختلّ عملها وكفاءتها في امتصاص نواتج التّخمّر وينخفض الــPH وتزداد نسبة حمض البربيونيك على حساب حمض الخلّ ويقلّ امتصاص الحموض الدّهنية الطّيارة من جدار الكرش. ومنعاً لحدوث مثل هذا الخلل في عمل الكرش يجب الحيطة من استخدام الأعلاف الخشنة الجيدة لتأمين احتواء العليقة على الحدّ الأدنى من الألياف الخام.

حجم الكرش والعوامل المؤثّرة في استيعابه:

على الرّغم من أنّ سعة الكرش عند الامتلاء وعند حيوان واحد لا تتغيّر كثيراً، إلّا حجم الكرش الوظيفي يتميّز بعدم الثّبات عند جميع الحيوانات وهو متغيّر بتأثير عوامل مختلفة. وبالتالي فإنّ محتويات الكرش سواءً من السّوائل أو من المواد الصّلبة تتغيّر أيضاً. ويستخدم عادةً محتوى الكرش من السّوائل في تقدير حجم الكرش عند الحيوانات. فعند الحيوانات المتشابهة يختلف حجم الكرش بتأثير العمر والوزن وحجم الجسم. إلّا أنّ العامل الأهمّ والأكثر تأثيراً في حجم الكرش هو نمط التّغذية ونوعيّة العليقة وطبيعة التّخمّرات التي تحدث في الكرش. وقد يكون لحجم الغازات التي تنتج من عمليّات التّخمر دوراً كبيراً في الاختلافات النّاجمة عن اختلاف نوعيّة العليقة وأثرها في حجم الكرش. كما وجد أنّ هناك علاقة بين حجم الكرش وعدد مرّات استهلاك العلف، فالحيوانات التي تستهلك علائقها بصورة بطيئة وعلى مدار اليوم يكون حجم كرشها أصغر من تلك التي تتعوّد على استهلاك العلف خلال فترة محدودة ولمرّة واحدة في اليوم. كما وجد أنّ الأغنام التي تستهلك وجبتها بسرعة يتمدّد كرشها خلال استهلاك العلف بمعدّل 0.53 لتر، أمّا الأغنام التي تستهلك وجبتها ببطئ فإنّ كرشها يتمدّد بمقدار 0.06 لتر فقط. ومن المعروف أنّ زيادة نسبة الأعلاف الخشنة في العلائق تؤدّي إلى زيادة حجم الكرش. وقد بيّن Putnam,et al (1966) أنّ حجم الكرش عند الثيران التي تغذّت على عليقة تحوي 25% دريس تراوح بين (36-50) لتر بينما تراوح بين (44-58) لتراً عند الثّيران التي تغذّت على عليقة تحوي 89% دريس. كما وجد أنّ حالة الحمل تؤثّر في حجم الكرش فيزداد في المراحل المبكرة من الحمل بنسبة 17.7%، وعند منتصف فترة الحمل يزداد بنسبة 19.9%، ثمّ ينخفض في نهاية فترة الحمل إلى حوالي 12.1%، نتيجة زيادة حجم القناة التناسلية (forles,1969 ). ومن المعروف أنّ لدرجة السّمنة تأثير في حجم الكرش حيث يكون كرش النّعاج السّمينة أقلّ من حجم كرش النّعاج الضّعيفة. ويمكن أن ينخفض حجم الكرش عند النعاج السمينة إلى أقلّ من 4.5 لتر بينما يصل حجم الكرش عند النّعاج الضّعيفة إلى أكثر من 10 لتر، وذلك نتيجة زيادة ترسّب الدّهون في الأحشاء الدّاخلية وزيادة الأنسجة المبطّنة للكرش. كما يعتقد بوجود علاقة بين إنتاج الحليب وحجم الكرش وبين فصول السنة أو البيئة بشكل عام وبين حجم الكرش. ممّا يؤكّد أنّ هناك مجموعة علاقات بين عوامل فسيولوجية وبيئية وبين حجم الكرش ومنعكساته على الهضم وكفاءة استخدام العلف تحتاج إلى مزيد من الدّراسات لفهمها وتوضيحها.

 

الإجترار:

الإجترار هو عودة الغذاء من الكرش إلى الفم لمضغه ومزجه باللّعاب وابتلاعه مرّة أخرى. يحدث الإجترار على فترات تناوب مع فترات استهلاك العلف والماء وفترات للراحة. وعادةً تمضي الحيوانات وقتاً أطول في النّهار لاستهلاك العلف لذلك فإنّها تمضي الحيوانات وقتاً أطول للإجترار في اللّيل. ويختلف عدد فترات الإجترار وطول فترة بحسب نوع الحيوان ونظام ونوع التّغذية. فقد تراوح عدد الفترات من 9 إلى 18 فترة/يوم عند التّغذية لمرّة واحدة في اليوم ومن (12-30) فترة/يوم عند التّغذية لأكثر من مرّة. كما يختلف طول فترة الإجترار ويتأثّر بعوامل مختلفة تغذوية وميكانيكية وعصبيّة...الخ. وقد قدّر أنّه يمكن أن تجترّ الأغنام ما مجموعه (8-9) ساعات/يوم، وأنّ طول فترة الإجترار بشكل عام يكون أقلّ من نصف ساعة مع أنّه يمكن أن يمتدّ حتى ساعتين ويمكن أن لا يكمل دقيقة واحدة. وتختلف كذلك عند الماشية عدد فترات وطول فترة الإجترار فهي في الحظائر المغلقة مختلفة عن المراعي، ومتأثّرة بشكل أساسي بنسبة العلف الخشن في العليقة، وبشكل عام تجتر الأبقار حوالي (6-10) ساعات في اليوم. تبدأ عمليّة الإجترار بعد حوالي (30-45) دقيقة من تناول العلف عند الأغنام، وتعتبر الرّاحة والهدوء التّام شرطاً أساسيّاً لبدء عمليّة الإجترار وانتظامها، لذلك فإنّ معظم الحيوانات تجترّ وهي مستلقية. وإن كان بإمكانها الاجترار وهي واقفة، أو حتى مع الحركة البطيئة المنتظمة كما في حالة الجمال. أمّا الحركات المفاجئة التي تسبّب اضطراباً للحيوان فإنّها توقّف عمليّة الإجترار لفترة من الزّمن، وكذلك حرارة الجوّ المرتفعة تؤخّر البدء بها. يرتبط بدء الإجترار عند الحيوانات الصغيرة بشكل وثيق مع استهلاك الأعلاف النّباتية الجافّة. لذلك يظهر الاجترار مبكراً عند العجول أو الخراف التي تبدأ مبكراً باستهلاك الأعلاف النّباتية ويتأخّر عند استمرار التّغذية على الحليب. وبشكل عام يبدأ مبكراً عن ذلك (من عمر خمسة أيام) ويكون في هذه الحالة عبارة عن تقلّصات للكرش تزداد مع نقص الغذاء السائل وبدء التّغذية على الأعلاف النّباتية الخشنة. ويبدأ الإجترار عند الخراف في عمر مبكر حوالي 8 أيام، إلّا أنّ طول فترة الإجترار يكون قصيراً جداً في هذا العمر، ويزداد طولها تدريجيّاً حتى تبلغ طولها الطبيعي بعد فترة 4 أشهر.

حركة الغذاء في المعدة المركّبة:

يمرّ الحليب عند الحيوان الرّضيع عبر الشّبكية والكرش مباشرةً إلى المعدة الحقيقيّة عن طريق الأنبوب الذي يتكوّن نتيجة انغلاق أخدود المريء. أمّا عند الحيوانات تامّة النّمو فإنّه يتمّ في الفم مضغ الغذاء مبدئيّاً ومزجه مع اللّعاب الذي تفرزه الغدد اللّعابية حتى يسهل بلعه وينتقل عبر المريء إلى الكرش حيث يبقى فترة طويلة. فخلال 24 ساعة لا ينتقل من الكرش إلى الأجزاء التّالية أكثر من نصف الغذاء المتناول، لذلك فإنّ الكرش في الظّروف الطّبيعية لا يمكن أن يفرغ من الغذاء.

عند وصول الغذاء إلى الكرش يتشبّع بالسوائل الموجودة فيه فيثقل وزنه وينتقل إلى الجزء الأسفل منه، بينما تبقى السّوائل في الجزء الأعلى من الكرش وفي الشّبكية ويبقى الغذاء فيه عدّة ساعات يتعرّض خلالها إلى التّخمّر الذي ينتج عنه تغيّر كبير في تركيبه الكيميائي ويتمّ أيضاً خلالها اجتراره. وأثناء الإجترار تندفع كتلة من الغذاء مشبعة بسوائل الكرش من خلال فتحة المريء إلى الفم وذلك نتيجة إنكماش الشبكية والأجزاء العليا من الكرش بمرور السّائل منها إلى الورقية فيخفّ الضغط على الجهة الصّدرية وتتّسع فتحة المريء فتخرج كتلة الغذاء الخشن من الفتحة باتّجاه الفم مدفوعة بفعل الغازات النّاتجة عن التّخمّر وبفعل حركة العضلات والتّقلصات وبتأثير مجموعة من العوامل التي تتحكّم بآليّة عمل الإجترار.

ونتيجة الحركة المستمرّة للكرش ينتقل الجزء السّائل من الكرش إلى الشبكية حاملاً معه الأجزاء الدّقيقة من الكتلة الغذائيّة وبعض الأجزاء الخشنة أيضاً ومن الشبكيّة تنتقل إلى الورقيّة حيث تمرّ الأجزاء النّاعمة من الكتلة الغذائيّة مع السّوائل من فتحة الشّبكية والورقية وتبقى الأجزاء الخشنة عالقة على الفوهة حيث تعمل كمصفاة تمنع مرور الأجزاء الكبيرة إلى الورقيّة، وعند بلوغ كمّية المواد الخشنة على فوهة الورقيّة حدّاً معيّناً ترتفع من جديد فوق سطح سائل الكرش نتيجة نقص كثافتها ويتمّ اجترارها مرّة أخرى. إنّ حركة الكتلة الغذائيّة مع سائل الكرش باتّجاه الورقيّة مستمرّة، وتختلف سرعتها باختلاف عليقة الحيوان وتزداد أثناء تناول العليقة وأثناء الإجترار. وفي المتوسّط ينتقل من الكرش إلى الورقية عند الأبقار حوالي 4 لتر/ساعة وعند الأغنام حوالي نصف لتر/ساعة. تنقل الكتلة الغذائيّة من الورقيّة إلى المعدة الحقيقية بعد أن يكون قد طرأ تغيّراً كبيراً على تركيبها الكيميائي. فتصل إليها بعد أن تكون قد فقدت (60-70)% من الألياف الخام وجزءً كبيراً من النّشا والسكّريات الذّائبة. كما تكون قد طرأت تغيّرات هامّة على بروتين العليقة، سواء من حيث الكمّية أو النّوعية، نتيجة فعل ميكروبات الكرش التي تستخدم آزوت العليقة لتكوين البروتين الميكروبي، والتي تغني الكتلة الغذائية ببعض المركّبات الهامّة الأخرى مثل مجموعة فيتامينات B  وبعض الحموض الدّهنية والأمونيا التي يمتصّ جزء كبير منها في الكرش، وغيرها من المركّبات. والمعدة الحقيقية تقوم بوظيفة المعدة البسيطة عند الحيوانات غير المجترّة، ومنها تنتقل الكتلة الغذائيّة إلى الإثنا عشر حيث يستمرّ هضمها بفعل العصّارات الهاضمة إلى تصل إلى الأمعاء.

الهضم البكتيري في الكرش والشبكية: بعد أن يدخل الطّعام إلى الكرش والشبكية، يختلط الطعام بسوائل الكرش، حيث هناك البلايين من الكائنات الدّقيقة من بكتيريا وأوّليّات (Protozoa). البكتيريا والأوليات كائنات ذات خلية واحدة، وتتغذّى الأوليات على البكتيريا والطّعام المهضوم. هذه الكائنات تُكسّر الكربوهيدرات المعقّدة، كالسيليلوز وأشباه السليلوز، وبواسطة التّخمُّر إلى سلاسل قصيرة من الأحماض الدّهنية (Short-chain fatty acids) حيث يتمّ بعد ذلك امتصاصها من الكرش والشّبكية مباشرةً إلى مجرى الدّم لتعمل كمصدر للطّاقة أو كمصدر للكربون لتصنيع العديد من المكوّنات المهمّة كدهن الحليب.

كذلك يتكسّر البروتين في الطعام إلى ببتيدات (Peptides)، أحماض أمينية، أمونيا وأمينات (Amines). تستخدم الكائنات الدّقيقة هذه المكوّنات لبناء خلاياه وتكاثرها. في نهاية المطاف، هذه الكائنات الدّقيقة تمرّ إلى القناة المعوية (Intestinal (tract  حيث تُهضم وتُمتصّ وتُستخدم كمصدر للبروتين في البقرة. لذلك، إنّ أي نوع من البروتين يُقدّم للبقرة، فإنّ معظمه يتحوّل في النّهاية إلى بروتين بكتيري وأوليّات قبل أن يُستهلك بواسطة البقرة. لهذا السّبب فإنّ النيتروجين من أصل غير بروتيني (NPN)   يمكن استخدامه كمصدر للبروتين، حيث أنّ  NPN  يُعتبر غير ذي فائدة للحيوانات ذات المعدة السهلة والتي ليس بها هذا الكم الهائل من البكتيريا المُصَنِعة للبروتين.

بعض الطّعام والذي يصل إلى الكرش والشّبكية يقاوم مقدرة الكائنات الدّقيق على تخميره إلى مواد مفيدة. تعمل حركة الأضلاع، الحجاب الحاجز، الكرش والشبكية على استرجاع هذا النّوع من الأطعمة إلى المريء على شكل لقمة. الضّغط السلبي (Negative pressure)  يسحب الطعام إلى الفم. أمّا السّائل الذي تحتويه هذه اللّقمات فيعُصر منها ويُبلَع. الباقي من اللّقمة، وتُسمى المُضغة (Cud) ، تُمضَغ مرةً  أخرى لتجعلها أكثر عُرضة للتّخمير بواسطة الكائنات الدّقيقة عندما تعود إلى الكرش والشبكية. هذه السّلسلة من العمليّات تسمّى الإجترار، حيث تقضي البقرة حوالي ثلث وقتها في الإجترار.

إنّ قدرة التّخزين الكبيرة للكرش والشبكيّة، وهي حوالي 50 جالون، وظاهرة الإجترار، تُعطي البقرة القُدرة على استهلاك كمّية كبيرة من الطعام في وقت قصير. تقوم البقرة بمضغ الطعام قليلاً  فقط لبلعه. بعد ذلك، في وقت الراحة، تقوم البقرة باجترار أي طعام يحتاج للمزيد من المضغ. ربّما كان الاجترار مهمّاً في السابق لحياة الحيوان في البرية حيث يأكل الحيوان بسرعة ثم الجري أو الرجوع إلى مكان آمن للراحة والإجترار.

المُحَصِّلة النهائية للتّخمّر في الكرش:

تخمُّر الكربوهيدرات:

 الكربوهيدرات، وخاصةً السليلوز والنشاء يمثّلان الجزء الأكبر من عليقة الأبقار. الكربوهيدرات والسليلوز يتكوّنان من سلاسل من الجلوكوز (سكر ذو 6 ذرات كربون)، ولكن وحدات الجلوكوز متّصلة اتّصالاً مختلفاً المركبين (السليلوز والنشاء). كلّ الحيوانات تملك الإنزيمات القادرة على حلمأة (التحليل بالماء Hydrolyze) أو تكسير وحدات الجلوكوز المُكوّنة للنشاء، وتستطيع استخدام الجلوكوز النّاتج كمصدر للطّاقة. الحيوانات لا تنتج الإنزيمات اللّازمة لحلمأة (أو تكسير) الرّوابط بين وحدات جلوكوز السليلوز، ولكن إنزيم السلولَيْز(Cellulase) ، إنزيم يُنتج بواسطة بكتيريا الكرش وميكروبات المصران الأعور. لذلك تستطيع المُجترّات الإستفادة من السليلوز وأشباه السليلوز كمصدر للطّاقة بعد تَخمّرها بواسطة الكائنات الدّقيقة المتواجدة في الكرش، حيث أنّ الحيوانات ذات المعدة البسيطة (الخنازير والإنسان) لا تستطيع هضم هذه المواد.

مُعظم الكربوهيدرات المتواجدة في الطّعام تتخمّر بواسطة الأحياء الدّقيقة المتواجدة في الكرش وتتحوّل إلى الأحماض الدّهنية المتطايرة(Volatile Fatty Acids)  والتي تحتوي على 2، 3، أو 4 ذرات كربون. هذه تشمل حمض الأستيك (Acetic Acid) (ذرتان كربون)، حمض البروبيونيك (Propionic Acid) (3 ذرات كربون)، وحمض البيوتيريك (Butyric Acid) (4 ذرات كربون). هذه الأحماض وغيرها من الأحماض الدّهنية تُمثّل جزءاً بسيطاً من مجموع الأحماض الدّهنية الموجودة في الكرش.

تقديم العلائق التي تحتوي على كمّية عالية من الحشائش الجافة والنخالة يؤدي إلى زيادة في إنتاج Acetate   في الكرش. نسبة الأحماض الرئيسة الثّلاثة في هذه العلائق هي حوالي %50 إلى %65 Acetate ، %18 إلى %25 Propionate، و%12 إلى 20% Butyrate. هناك العديد من العوامل التي تؤثّر على هذه النِسَب. تقديم عليقة ذات نسبة عالية من المركّزات ومكعّبات الحشائش حيث أنّ هذه المكعّبات والمركّزات تحتوي على كمّية كبيرة من الدّهون غير المشبعة، كلّها تؤدّي إلى إقلال نسبة Acetate وزيادة نسبة Propionate. عندما تزداد نسبة الــ Propionate مقارنةً مع بقيّة الأحماض الدّهنية، ينتج عنه عادةً  انخفاض في نسبة دهن الحليب، مصاحباً له زيادة في وزن الحيوان نتيجة لترسّب الدّهون في البقرة. هذا التّأثير مفيد عندما يكون الهدف هو تسمين الحيوان، ولكن له مساوئ لمنتج الحليب حيث أنّ قيمة الحليب تعتمد أيضاً على نسبة الدّهن فيه.

نواتج البروتين :-

البروتينات التي تدخل إلى الكرش تُهضم بعدّة طرق. بعض البروتينات تمرّ بدون تخمّر إلى المنفحة والأمعاء، هناك يتمّ تحويله إلى ببتيدات وأحماض أمينية كما في الحيوانات ذات المعدة البسيطة. لكن، معظم البروتين الموجود في الطّعام يُكسّر بواسطة بكتيريا الكرش إلى ببتيدات، أحماض أمينية وأمونيا. الأنواع المختلفة من الكائنات الدّقيقة تستخدم هذه المواد لصناعة بروتينات لخلاياها. بعض هذه الكائنات الدّقيقة تستطيع الاستفادة من الببتيدات فقط أو الأحماض الأمينية، وأخرى تستفيد فقط من الأمونيا. تختلف نسبة وجود هذه الكائنات الدّقيقة في الكرش باختلاف العليقة المُقدّمة للحيوان. لهذا السّبب، يجب أن يكون  تغيير العليقة تدريجيّاً حتى تتاح الفرصة للأنواع العديدة من الكائنات الدّقيقة التكيُف للمصدر الغذائي الجديد. هذا التّكيّف مهمّ جدّاً للإستفادة المُثلى من اليوريا والنيتروجين ذو المصدر الغير بروتيني (NPN). تُقدّر المدّة بــ 3 أسابيع قبل أن يتمّ تكيُف الكائنات الدّقيقة في الكرش وتمكُنها من الإستفادة من اليوريا المُضافة إلى العليقة.

السلاسل الكربونية من البروتين والمنزوعة الأمين (Deaminated) يمكن أن تستخدم كمصدر للطّاقة عن طريق التّخمر بواسطة بكتيريا الكرش وتحُوّلها إلى أحماض دهنية متطايرة. الأمونيا النّاتجة عن نزع الأمين تُستخدم بواسطة بكتيريا الكرش لإنتاج البروتين، أمّا الأمونيا الزائدة عن الحاجة تتحوّل إلى يوريا في الكبد. بعض اليوريا تُسترجع إلى الكرش عن طريق اللّعاب والباقي يخرج مع البول.

 

نواتج الشحوم:-

معظم الشّحوم (الدهن) والذي يدخل إلى الكرش يحدث له هدرجة بواسطة الكائنات الدّقيقة. بعض الدّهون ينتهي بها المطاف بأن تكون جزءاً من بينة الكائنات الدّقيقة نفسها. هذا بالتّالي يُسهل الهضم اللّاحق لهذه البكتيريا في الأمعاء الدّقيقة. كذلك تتمّ حلمهة (Hydrolysis)  ثلاثي الغليسريد (Triglycerides) إلى أحماض دهنيّة وجليسرول (Glycerol) في الكرش. يتخمّر الجليسرول إلى (Propionate) ولكن الأحماض الدّهنية ذات السلاسل الطويلة (Long-chain fatty acids) ينتهي بها المطاف في الأمعاء الدّقيقة حيث يتمّ هضمها.

مع أنّ هناك حاجة لوجود القليل من الدّهون في العليقة، الكثير منها يتعارض مع العمل الاعتيادي للكرش. كمّية الدّهون عالية، وبالذّات الزّيوت غير المشبعة، تؤدّي إلى انخفاض نسبة دهن الحليب وتقلّل الشّهية. إنّ نسبة 2% دهن من الكمّية الكلّية للعليقة الجافّة كافية لأبقار الحليب، هذا المستوى موجود في كل العلائق الإعتيادية.

نواتج أخرى لميكروبات الكرش:

 بالإضافة إلى تأثيرها على الكربوهيدرات، البروتينات، والدّهون، ميكروبات الكرش تستطيع تصنيع كلّ أنواع مجموعة فيتامين ب وفيتامين ك حتى تستهلكه البقرة. يُنتج فيتامين ج في أنسجة جسم البقرة نفسها. بالتالي، ليس هناك ضرورة إضافة هذه الفيتامينات إلى عليقة البقرة. كل وظائف الكرش يمكن أن تتمّ في الشبكية، حيث أنّ محتويات إحداهما تنتقل إلى الأخرى.

كما ذكرنا سابقاً، الكائنات الدّقيقة والتي تتغذّى، تنمو، وتتكاثر على طعام البقرة، ينتهي بها المطاف إلى الأمعاء حيث يتم هضمها وامتصاصها. البقرة وفّرت المكان والغذاء لنمو هذه الكائنات وهي الآن تستفيد منها كمصدر للمواد الغذائية. بدون هذه العلاقة التّعايشية، الحيوانات المجترّة لا تستطيع العيش على غذاء به كمّية كبيرة من العلائق الجافة.

وظيفة التلافيف:

تعبر محتويات الكرش-الشبكية إلى التلافيف، ومن ثَم إلى المنفحة والأمعاء. وظيفة التّلافيف غير مفهومة جيّداً. يبدو أنّ وظيفة التّلافيف هي عصر وامتصاص الماء والأحماض الدّهنية من مكوّنات المعدة المارّة به. في المنفحة، المعدة الحقيقية للبقرة، عمليّة الهضم تشبه عمليّة الهضم في الحيوانات ذات المعدة السّهلة.

الهضم في المنفحة والأمعاء:

 حالما تصل المكوّنات إلى المنفحة، تبدأ العصّارات الهضميّة عملها على هذه المكوّنات. حمض الهيدروكلوريك والإنزيمات، ببسين(Pepsin)، ورنين((Rennin  يفرزوا من جدار المنفحة. يقوم حمض الهيدروكلوريك بتحفيز الـببسين والذي بالتالي يكسر البروتينات إلى ببتيدات، والببتيدات هي عبارة عن سلاسل قصيرة من الأحماض الأمينية. تكمن أهمّية إنزيم الرّنين في العجول حيث يقوم بعمليّة تجبُّن الحليب في المنفحة. هذه العمليّة ضرورية لهضم وامتصاص الحليب في الأمعاء. الحموضة في المنفحة والناتجة عن حمض الهيدروكلوريك مهمّة كذلك في تنبيه العضلة الموجودة حول فتحة البواب (Pylorus) الموجودة بين المنفحة والأمعاء لترتخي حتى تمرّ محتويات المنفحة إلى الأمعاء. حتى تصل درجة الحموضة المطلوبة، تبقى محتويات المنفحة بداخله حيث تعمل عليها الإنزيمات الهضميّة.

بعد دخول المحتويات إلى الأمعاء، تحدث تفاعلات أخرى مع إنزيمات ومواد أخرى. إفرازات البنكرياس، وعن طريق قناة البنكرياس، من الكبد عن طريق القناة المرارية  وكذلك عن طريق غدد موجودة في الأمعاء، تدخل إلى الأمعاء وتختلط بمحتوياتها. عصارة البنكرياس تحتوي على الإنزيمات الحالّة للبروتين (Proteolytic enzymes)، تربسونوجين، كيموتربسونوجين وكاربوكسي ببتيديز (Carboxypeptidase)، وعندما يُحفزوا في الأمعاء، يحوّلوا البروتين إلى ببتيدات وأحماض أمينية. كذلك تحتوي عصارة البنكرياس على إنزيم حالْ للدّهون (Steapsin) والذي يحوّل الدّهون إلى أحماض دهنية وجليسرول، وأمايليز Amylase-Amylopsin))، والذي يحول النشأ والدّكسترين إلى سكّر المالتوز.

إنّ غدد الأمعاء تُنتج عدّة إنزيمات والتي تعمل على تكسير الببتيدات، السّكريات، والدّهون، وتحويلها إلى مكوّنات أصغر حتى يمكن امتصاصها. بالإضافة إلى الصفراء (Bile)، والذي تنتجه الكبد ويُخزن في المرارة، تؤدّي عدّة وظائف في الأمعاء، من بينها، تنبيه إنزيم الحال للدّهون والذي ينتجه البنكرياس، يساعد على استحلاب (Emulsification) الدّهون، زيادة استذابة الأحماض الدّهنية حتى يمكن امتصاصها بالكامل، وكذلك الصفراء مستودع للقلويات، حيث تعمل على تثبيت الحموضة (pH) الأنسب للتّفاعلات في الأمعاء.

الامتصاص في الأمعاء:

الإفرازات المعوية ومعظم تفاعلات الهضم تحدُث في الجزء العلوي من الأمعاء الدّقيقة، حيث يتمّ امتصاص نواتج الهضم في الجزء السُفلي. الأحماض الأمينية والببتيدات النّاتجة عن هضم البروتين، والسّكريات السّهلة، مثل الجلوكوز النّاتج عن هضم الكربوهيدرات، تُمتص مباشرةً إلى الدم حيث تنتقل إلى أجزاء الجسم المُختلفة.  هذه المواد المُغذية تُستخدم بواسطة الأنسجة للنمو، إنتاج الحليب والتّكاثر.

امتصاص الدّهون أكثرَ تعقيداً. الأحماض الدّهنية والدّهون الأخرى تختلط مع الصفراء، ممّا يوْدي إلى جعل الدّهون أكثر إذابة.  هذا الخليط ينتُج عنه وحدات خلوية صغيرة (مُذَيلات-Micelles) تعبر جدار الأمعاء ثُم إلى الجهاز الليمفاوي.  الأوعية اللّيمفاوية هي مجموعة من الأوعية تصب في الأوردة الأماميّة للقلب عبر القناة الصّدرية. في نهاية المطاف ترجع أملاح الصفراء إلى الأمعاء عن طريق الكبد، والأحماض الدّهنية تتحدّ مع الجليسرول من الغشاء المخاطي للأمعاء (Intestinal mucosa). هذه الدّهون تُستعمل عند الحاجة كمصدر للطاقة أو تُخزّن على شكل نسيج دهني لحين الحاجة.

يحدُث في الأمعاء أيضاً هضم نتيجة عمل البكتيريا، بالتّحديد التّفَسُخ (Putrefaction)، ممّا يؤدّي إلى رائحة سيئة للسَّماد. لا تفرز الأمعاء الغليظة أيّة إنزيمات، ولكن امتصاص الماء بالتّحديد يحدث في الأمعاء الغليظة. هذا يؤدّي إلى جعل محتويات الأمعاء الغليظة أكثر جفافاً قبل إخراجها. الكثير من نواتج الهضم والتي تَمُر إلى الأمعاء الغليظة تُستَرجع إلى القناة الهضمية ب  من خلال جدار الأمعاء الغليظة. هذه النّواتج، مع بقايا الطعام الغير مهضوم، الإنزيمات الهاضمة وبقيّة الميكروبات الغير مهضومة تخرج من الجسم وعن طريق المستقيم على شكل بُراز.

 

 

سُرعة مرور الطعام:

السّرعة التي يمُرّ بها الطعام عَبرَ القناة الهضمية يعتمد اعتمادا كبيراً على نوعيّة وكمّية الطّعام المُستهلكة. العلائق المُركّزة لا تحتاج إلى الكثير من الاجترار والتّخمر البكتيري كما هو الحال في الطعام الخشن. المُركّزات تعبر من الكرش والشّبكية بسُرعة، ممّا يُسرِّع عمليّة مرور الطّعام. إنّ سرعة مرور الطّعام مهمّة للإستفادة القصوى من البقرة حيث لا تستطيع البقرة الاستفادة "استقلاب أو تأييض" (Metabolize) أي طعام إضافي حتى يخرج الطعام الموجود أصلاً في الجسم.  في حالة استهلاك أطعمة غنية بالسكريات والنشويات، إنّه من الأمثل مرور هذه المواد مباشرةً  وبدون تَخَمُّر إلى التّلافيف حيث يتمّ هضم الكربوهيدرات إلى سُكّريات بسيطة ليتم امتصاصها لاحقاً في الأمعاء.  بعض الكربوهيدرات يتمّ هضمها بهذه الطريقة، ولكن معظم الكربوهيدرات يتمّ تخمُرها وينتج عن ذلك أحماض دهنيّة متطايرة. الدّهون وبعض البروتينات يمكن رفع كفاءة استهلاكها عن طريق "حمايتها" بالفورمالين، ممّا يؤدي إلى مرورها عبر ميكروبات الكرش بدون تخمّر، حيث يتمّ هضمها وامتصاصها في التّلافيف والأمعاء.

هناك  ضرر من زيادة سرعة مرور الطعام. إنّ زيادة سرعة مرور الطعام تؤدّي إلى هضم غير كامل للطعام وزيادة الفقد الناتج من الطعام في البراز.  بالإضافة إلى انخفاض نسبة الدّسم في الحليب، زيادة نسبة حدوث اضطرابات هضميّة وانحراف التّلافيف عن موقعه، ربّما تحدث بسبب زيادة سرعة مرور الطعام.

1336 زائر